ما هي الطرق التي يمكن للإنسان أن يدمر بها الأرض؟ حرب نووية ضخمة؟ مفاقمة إشكالية التغير المناخي؟ محاولة فاشلة لصيد كويكب تنتهي بكارثة؟ كلها طرق تؤدي لذلك الغرض، ولكن ماذا عن: خلق ثقب أسود عن طريق الخطأ في المعمل الأضخم في الأرض؟
عندما صُمِّمَ المصادم الهادروني الكبير، والذي حدثتكم عنه في مقال «التجربة الأضخم في تاريخ الإنسان»، افترض بعض الباحثين أنه ربما سيخلق ثقبا أسود! وتناولت تلك القضية وسائل الإعلام الغربية. حتى جاء عام 2008م، حيث كانت بداية تشغيل التجربة، فقام شخص أميركي برفع قضية في محاكم أميركا لقسر «سيرن» (المعمل الأوروبي لفيزياء الجسيمات) على التوقف عن تشغيل التجربة لكيلا تخلق ثقبا أسود يبتلع الأرض!
والسبب وراء ذلك الخوف هو أن الثقب الأسود يعدُّ مكانا غامضا ويبتلع الأجرام السماوية ليردها إلى مركباتها الأولية. وفي هذا الوصف شيء من الصحة وشيء من الخطأ ولن أخوض في فيزياء الثقوب السوداء هنا. ولكن، يكفي أن نعرف أن أي شيء يدخل في حدود الثقب الأسود فإنه لا يستطيع الفرار مهما كانت سرعته، فالأمر يشبه السقوط في منحدر شديد الانحدار.
ولكن ما علاقة الثقوب السوداء بالمصادم الكبير؟ فالأول في الفضاء والآخر مدفون تحت أراضي سويسرا وفرنسا؟
على الرغم من أن نظريات الفيزياء العلمية والمتوافقة مع التجربة تقول إن الطاقة التي يعمل في نطاقها المصادم الكبير بعيدة كل البعد عن تهيئة الظروف المناسبة لخلق ثقب أسود، غير أن بعض الفرضيات الفيزيائية تقول إن التصادمات في تلك الآلة قد تخلق ثقبا أسود كوانتميًّا - أي صغير جدا - إذا كان الفضاء يتكون من أبعاد مكانية تزيد على الثلاثة المألوفة لدينا!
على أية حال، حتى وإن صدقت تلك الفرضيات ونشأ ثقب أسود في المصادم الكبير فإنها لن تدمر الأرض لأنه سيكون ثقبا أسود «غير مستقر» - حسب الحسابات الفيزيائية -، وسيتلاشى لحظيا على هيئة أشعة افتراضية تسمى بأشعة هوكنج. فضلا عن ذلك فإن التصادمات «الاصطناعية» التي تحدث في المصادم لها مثيل في الطبيعة حولنا، حيث إن الأشعة الكونية عالية الطاقة تصطدم بذرات الغلاف الجوي للأرض باستمرار، وهي لم تخلق أي ثقب أسود خطر على مدار تاريخ الأرض.
لذلك، وبعكس القلق الذي بدأنا به، فإن نشوء ثقوب سوداء في المصادم الكبير سَيُعَدُّ حدثا جوهريا في تاريخ فهم الإنسان للكون وبزوغ فجر جديد في الفيزياء، ولكنها تظل فرضية حاليا إذ لم نر لها أثرا خلال الثماني سنوات الماضية من عمل المصادم الكبير.
التعليقات